لماذا أسست سوريا شركة جديدة للنفط ؟ (تقرير)

قال خبراء في مجال الطاقة ، إن تأسيس سوريا للشركة السورية للبترول يعتبر حلاُ ابتكارياً لخلاص الحكومة من ميراث النظام السابق، وتجنب البيروقراطية، ومواكبة التطور الفني والتقني في قطاع النفط والطاقة، إلى جانب العمل على جذب الاستثمارات الإقليمية والأجنبية في هذا المجال.
وأضافوا أن تأسيس الشركة يساعد على تحقيق الانطلاقة التي ترغبها الإدارة السورية الجديدة لتطوير قطاع الطاقة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية احتياجات البلاد والتصدير إلى الخارج، إلى جانب حل العديد من المشكلات التي تواجه القطاع والشركات العاملة فيه عبر التعاون والحوكمة والشفافية وتهيئة الأوضاع المناسبة لتحقيق الاستقرار المطلوب.
وأصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الخميس الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، مرسوماً بإحداث "الشركة السورية للبترول SPC" ومقرها دمشق، وهي شركة عامة قابضة ذات طابع اقتصادي مملوكة بالكامل للدولة، بحسب الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا".
وتضمن المرسوم أن الشركة الجديدة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وأنها تحل محل كلٍ من المؤسسة العامة للنفط والشركات التابعة لها، والمؤسسة العامة للتكرير والشركات التابعة لها في كل ما لها من حقوق وما عليها من التزامات وبما يتضمن جميع العقود والاتفاقيات والحقوق والالتزامات المالية والإدارية والفنية.
وذكر المرسوم أن القرار يهدف إلى تطوير بيئة استثمارية احترافية ترتكز على الكفاءة والجودة والتكامل في كل مراحل الاستثمار بين الشركة والجهات التابعة لها لتصبح الذراع الوطني الريادي في القطاع، إلى جانب تمكين الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة في إدارة القطاع بحسب أفضل الممارسات الدولية، بالإضافة إلى دخول الأسواق العالمية للنفط والغاز، وتعزيز القدرة التنافسية على المستوى الإقليمي والدولي.
لماذا أسست الحكومة السورية الشركة الجديدة؟
من جانبه، قال الباحث المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي ، إن تأسيس شركة نفط جديدة في سوريا هو حل ذكي وابتكاري لعدم تحميل الدولة أي التزامات، وبما يفض النزاعات في العقود القديمة، كما تسهل إعادة التفاوض أو إنهاء الآثار المترتبة على شركات الدولة من زمن النظام السابق أو عقود مع أطراف مثل الشركات الروسية أو جهات أخرى، وذلك ضمن إطار قانوني.
وأضاف الشوبكي أن من ضمن أسباب تأسيس الشركة الجديدة أيضاً موائمة البنية المؤسسية مع إنشاء وزارة الطاقة التي تجمع بين النفط والكهرباء والمياه، فوجود شركة قابضة نفطية تحت مظلة وزارة جديدة يسهل الحوكمة وسلسلة اتخاذ القرار من ترخيص الشركات وحتى تسويق المنتجات.
ومن أسباب تأسيس الشركة السورية للبترول أيضاً، بحسب الباحث في شؤون الطاقة، استثمار نافذة التيسير بعد تخفيف العقوبات على سوريا مع محاولة دمشق لبناء منظومة لجذب رؤوس الأموال والتقنيات الغربية والإقليمية وتسهيل الامتثال والتحقق.
وتتضمن أسباب إنشاء الشركة التجهيز والتأهب لمرحلة التصدير مع زيادة إنتاج النفط، وذلك بعد تصدير أول شحنة منذ 14 عاماً الشهر الماضي، فالدولة تحتاج في هذا الإطار إلى واجهة تجارية مرنة لإبرام عقود وبيع النفط وأيضاً إدارة التمويل المسبق، إلى جانب الحاجة إلى تطوير الحقول والمصافي، وفقاً للشوبكي.
وذكر الشوبكي أن من بين أسباب تأسيس الشركة أيضاً إعادة هيكلة مراكز النفوذ الاقتصادي عبر إعادة تشكيل أذرع الدولة الاقتصادية وإحلال كيانات جديدة أكثر انضباطاً من ناحية الحوكمة وهو الأمر الذي تطلبه الشركات الأجنبية للاستثمار في البلاد.
وأشار إلى أن عمل المؤسسة العامة للنفط تاريخياً كان يتعلق أكثر بالإشراف والتنظيم في حين كان دور الشركة السورية للنفط يتمثل في التشغيل، لكن الجديد "أن المرسوم يعيد تكوين الشركة كشركة قابضة بولاية تجارية واستثمارية أوسع واستقلال مالي وإداري واضح".
من جانبها، قالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، لـ CNBC عربية، إن الحكومة السورية ترغب من خلال تأسيس الشركة الجديدة في تطوير قطاع النفط والغاز وجذب استثمارات جديدة، مع عدم وجود أي مؤسسات أو أشخاص عاملين بها يمكن أن يكون لديهم ماضٍ فيما يتعلق بالعقوبات على القطاع أو الوضع على اللائحة السوداء.
وأضافت أنه كانت هناك حاجة إلى انطلاقة جديدة مع شركة جديدة وحوكمة متطورة للشركة، على أن تنطلق أهدافها ودورها من حاجات سوريا اليوم، وذلك ظل توقيع الحكومة السورية على اتفاقات مع شركات عالمية وأميركية لتطوير قطاع الطاقة بكل مجالاته.
ووقعت الحكومة السورية في شهر مايو/ أيار الماضي، اتفاقاً ومذكرة تفاهم في مجال الطاقة بقيمة سبعة مليارات دولار، مع تحالف مكون من أربع شركات دولية يتضمن شركتين تركيتين وشركة أميركية وأخرى قطرية.
كما نقلت وكالة رويترز في يوليو/ تموز، عن الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال، جوناثان باس، إن ثلاث شركات أميركية تتضمن شركته، وبيكر هيوز، وهانت إنرجي، ستجهز خطة شاملة لقطاع النفط والغاز وتوليد الكهرباء في سوريا، ضمن شراكة من أجل إعادة تأسيس البنية التحتية للطاقة في البلاد.
أيضاً أشارت هايتايان لـ CNBC عربية، إلى أن حاجة سوريا إلى تطوير حقول النفط والغاز من خلال شركات جديدة لإدخال تقنيات جديدة، إلى جانب الحاجة للاكتشافات الجديدة ووجود الشركاء الأجانب، جعل من الأفضل تأسيس شركة جديدة ومتطورة بعقل يواكب المستجدات في القطاع خاصة ما يتعلق بالتطورات التكنولوجية فيه.
كيف يمكن للشركة الجديدة المساعدة في جذب الاستثمارات؟
بحسب ما قاله عامر الشوبكي لـ CNBC عربية، فإن تصميم الشركة السورية للبترول الجديدة، بهيكل مجلس الإدارة المقرر في المرسوم، موجه لفرز قرارات تجارية سريعة لتخطي العمل الروتيني وأيضاً لعقد شراكات مع شركات دولية، إلى جانب المساعدة في تخفيف مخاطر الطرف المقابل عبر فصل الالتزامات القديمة عن الدولة بشكل مباشر، وإتاحة شفافية وحسابات وتقرير مراجعة مستقل، وهو ما شددت عليه شركات، مثل شل وبي بي وتوتال إنرجيز، كشرط للعودة إلى الاستثمار في البلاد مرهون بإطار مؤسسي وقانوني قابل للثقة.
وأضاف الشوبكي: "الدولة السورية تحاول أن تقول لهذه الشركات أننا نلبي رغباتكم بوضع قانوني قابل للثقة".
ويتألف مجلس إدارة الشركة من تسعة أعضاء منهم رئيس المجلس المتمثل في وزير الطاقة، إلى جانب الرئيس التنفيذي للشركة، وممثلون عن المجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية، ووزارة المالية، ووزارة الاقتصاد والصناعة، وهيئة الاستثمار السورية، وخبيرين مختصين في قطاع النفط والغاز والاستثمار، إلى جانب خبير قانوني، بحسب المرسوم الصادر عن الشرع.
وذكر الشوبكي أن من ضمن طرق مساعدة الشركة في جذب الاستثمار قابلية ابتكار هياكل التمويل في المصافي، وإدراج ذراع أصول في الخارج ضمن خطة تناسب واقع الطاقة في سوريا وبما يجذب الاستثمار بشكل خاص، ويسرع إعادة تأهيل القطاع.
فرص واعدة والحاجة إلى استثمارات كبيرة
أيضاً قالت لوري هايتايان، لـ CNBC عربية، إن هناك حاجة إلى الاستثمار بكثافة في قطاع النفط والغاز السوري على الأقل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في ظل الاحتياج الكبير من أجل إعادة مد المواطنين بالكهرباء لفترة تصل إلى 24 ساعة في اليوم، إلى جانب إطلاق عملية إعادة الإعمار.
وأضاف أن تكثيف عمليات الاستثمار في القطاع من خلال تطوير قطاع النفط الخاص وجذب الاستثمارات بما يتوافق مع السياسة السورية الجديدة في عدم الرغبة في زيادة أعباء الدين وذلك بسبب ميراث الديون لبعض الدول أو الجهات مثل إيران وروسيا.
وشددت هايتايان على أن هناك فرصاً كبيرة وواعدة للاستثمار بقطاع النفط والغاز والطاقة المتجددة في سوريا، وهناك عقود بمليارات الدولارات تم توقيعها بين الإدارة السورية الجديدة ومستثمرين خليجيين وأميركيين.
وأعلنت الشركة السعودية للكهرباء، أواخر الشهر قبل الماضي، توقيع مذكرتي تفاهم مع وزارة الطاقة في سوريا، خلال مشاركتها ضمن الوفد السعودي في معرض دمشق الدولي 2025، للتعاون في مواجهة التحديات التشغيلية، وتعزيز كفاءة الشبكات الكهربائية، وفي المجالات الهندسية والاستشارية، وتنفيذ مشروعات محطات النقل والتوزيع.
وجاء ذلك بعد توقيع السعودية وسوريا، في يوليو/ تموز، مذكرة تفاهم في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا في مجال الكهرباء، عقب اجتماع وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، ووزير الطاقة السوري محمد البشير، في العاصمة السعودية الرياض.
أيضاً قرر الصندوق السعودي للتنمية، الشهر الماضي، منح سوريا 1.65 مليون برميل من النفط الخام، بحسب ما أعلنه التلفزيون الرسمي في المملكة.
كيف يمكن للشركة الجديدة المساعدة في حل مشكلات القطاع؟
على الرغم من كل هذه التطورات المتعلقة بقطاع النفط في سوريا خلال الفترة الأخيرة، فإن القطاع يعاني من العديد من المشكلات الكبيرة، ومن بينها ما تعرضت له الحقول من أوضاع متردية نتيجة الحرب التي عصفت بالبلاد خلال نحو 14 عاماً.
أيضاً من بين تلك المشكلات استمرار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تدعمها الولايات المتحدة ويقودها الأكراد، على شرق البلاد، الذي يقع فيه أغلب إنتاج النفط، وذلك بعد نحو 10 أشهر من سقوط النظام السابق في البلاد واتفاق الإدارة الجديدة مع "قسد" على الاندماج في مؤسسات الدولة، والذي لم يتم تطبيقه بعد.
ورغم أن الشوبكي يعتقد أن السيطرة الجغرافية من الدولة السورية على الحقول النفطية عامل مهم وأساس في تطوير قطاع الطاقة، فإنه يرى أن إنشاء الشركة الجديدة يمكن أن يسهم في حل بعض المشكلات الأخرى التي يواجهها القطاع.
وقال الشوبكي أن الشركة بشكلها الجديد ستساهم في حل المشكلات قصيرة الأجل، وتحسين الحوكمة أساس التعاقد، وتلبية الحاجة إلى رفع الإنتاج تدريجياً، وتحسين كفاءة المصافي، وتحديث مشروع بانياس - أنبوب تصدير النفط العراقي السوري "كركوك -بانياس" - إلى جانب التمهيد لسلاسل توريد مستقرة للتكرير، وإنتاج وتعبئة الغاز البترولي المنزلي.
وأضاف: "المشكلات التي قد تعالجها الشركة خلال فترة من سنتين إلى أربع سنوات قادمة تتمثل في إمكانية استعادة جزء من الإنتاج التاريخي الذي كان قبل الحرب ووصل إلى نحو 390 ألف برميل يومياً، وهو ما يحتاج إلى استتباب الإطار الأمني والقانوني، وإغلاق ثغرات التهريب، وتحسين الكفاءة في الإنتاج، والسيطرة الجغرافية".
وأشار الشوبكي إلى أن زيادة الإنتاج ستؤدي إلى خفض فاتورة الاستيراد، ودعم الكهرباء المحلية والصناعة، وعودة المهجّرين من الخارج، ودعم الاقتصاد بشكل عام.
وقالت لوري هايتايان إن على الدولة السورية التواصل من خلال الشركة الجديدة مع الشركات النفطية العاملة في البلاد وإعادة تصحيح أي مشكلات تواجهها، والعودة إلى وضع الدولة الطبيعية التي تعمل فيها الشركات، مع وضوح العقود وما يتوجب على الحكومة والشركات من تأمين النفط والغاز أو أي ترتيبات مالية، إلى جانب الحاجة إلى الحوكمة والشفافية، وهي إجراءات تحتاج إلى وقت من أجل أن تصبح سوريا دولة جاذبة للاستثمارات في هذا القطاع الحيوي.
أبرز مهام الشركة حسب المرسوم الرئاسي
وتتضمن مهام الشركة اقتراح الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بالاستكشاف والتنمية والاستثمار في الموارد النفطية والغازية ورفعها إلى وزارة النفط لاعتمادها، إلى جانب التنسيق مع الوزارة في وضع المبادئ والأحكام الأساسية وتحديث الاتفاقيات والإعلان عن المناطق المعدة للاستثمار النفطي والغازي، وأعمال التطوير بهدف جذب المستثمرين المحليين والدوليين.
كما تشمل مهام الشركة الجديدة إعداد وتوقيع العقود المرتبطة بأعمال الاستكشاف والتنمية والتسويق، وتحسين مردود القطاع، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإصدارها ومتابعة تنفيذها، إلى جانب إدارة وتشغيل الأصول والمنشآت النفطية والغازية المملوكة أو التابعة للشركة بما في ذلك المعدات والمنشآت والبنى التحتية، مع رفع تقارير دورية إلى وزارة النفط حول الأداء والكفاءة.
أيضاً تتضمن المهام بناء القدرات الوطنية وتنمية الموارد البشرية في الشركة والجهات التابعة بالتسنيق مع المؤسسات التدريبية المحلية والدولية والوزارة، بالإضافة إلى الالتزام بسياسة الاستدامة والتحول الأخضر، وتقييم الأثر البيئي لجميع المشروعات والنشاطات المرتبطة بالموارد النفطية والغازية بالتنسيق مع الجهات المختصة، إلى جانب إدارة ومتابعة الاتفاقيات المبرمة مع الدول والمنظمات العالمية ومراجعتها وتطويرها وتحديثها.
نقلا عن CNBC عربية