نبيه أحمد نبيه يكتب: صفقة الغاز الإسرائيلى لمصر ما لها وما عليها
                            وردت تقارير اسرائيلية فى الأيام الأخيرة عن المطالبة بأسعار عادلة قبل الموافقة على تصدير الغاز لمصر وكذلك عن ضغوط أمريكية لبدء استئناف عملية التصدير. تلك الأخبار فى مجملها تؤكد نجاح المسئولين المصريين فى ابرام صفقة ناجحة تتوافق مع الانجازات المصرية فى مجالى السياسة والاقتصاد.  من هنا أرى ضرورة عرض بعض الاحداث والحقائق السابقة والحالية  المتعلقة بهذا الموضوع والتى عاصرت بعضها من خلال عملى فى مجال الاستكشاف فى خليج السويس والبحر المتوسط ثم الأتفاقيات لاحقا والتى أوجزها فى النقاط التالية :
قدرات اسرائيل فى مجال الاستكشاف والحفر محدودة ومما يدل على ذلك النتائج السلبية لعدد من الابار تم حفرها فى منطقة رأس جارة بخليج السويس أثتاء احتلال سيناء كذلك  عمليات التنقيب عن النفط في الجزء الجنوبي من هضبة الجولان أو بالقرب من البحر الميت والتى أسفرت عن احتياطيات محدودة من النفط والدليل أن معظم استهلاك إسرائيل مستورد. 
أعتقد أن الرئيس السادات ألتزم ببيع جزء من البترول الخام من انتاج حقول بتروبل من سيناء بالسعر العالمى لاسرائيل وبصفة سرية لسد جزء من احتياجاتها كمناورة سياسية ناجحة لقبول الانسحاب من سيناء من خلال اتفاقية السلام وكانت قبلها تستولى على انتاج شركة بترول بلاعيم بالكامل فى سيناء.
كانت إسرائيل مستوردة للغاز الطبيعي، حيث تم تزويد جزء كبير من احتياجاتها من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب العريش-أشكيلون من مصر وكمية صغيرة من واردات الغاز الطبيعي المسال (LNG) من محطة إعادة التسييل العائمة التي تم تركيبها في عام 2013. تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز المصري لإسرائيل في عام 2005 كانت جزء من مسار السلام والتعاون الاقتصادي في المنطقة ولكن خلال الفترة من 2011 إلى 2013، تعرضت خطوط أنابيب الغاز التي تربط مصر بإسرائيل لعدة عمليات تخريب، مما أدى إلى تعطيل إمدادات الغاز بشكل متكرر والذى تزامن مع الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر ثم قرار تجميد الاتفاقية بقرار داخلى مصرى لوجود شبهه فساد داخلى فى تسعير الغاز. تم الحكم على مصر بدفع تعويضات للجانب الإسرائيلي بسبب عدم الالتزامات التعاقدية، مما زاد من الضغوط على الحكومة المصرية أعقبه تصالح بين الجانبين بجهود مصرية مشكورة لاستئناف العلاقات لتجنب دفع التعويضات الباهظة.
أسفرت عمليات الاستكشاف والتطوير من خلال شركات أمريكية  في المناطق البحرية للبلاد خلال السنوات الماضية عن اكتشاف موارد كبيرة من الغاز الطبيعي في إسرائيل وبالأخص حقل لفياثان المميز باحتياطى  حوالي 22 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج. في يونيو 2013، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على تصدير 40٪ من احتياطيات الغاز الطبيعي في البلاد. ومع وجود حد نسبة 40٪، تُقدّر احتياطيات إسرائيل بأنها ستفي باحتياجات البلاد لمدة 25 عامًا. حاولت اسرائيل  تصدير الغاز الإسرائيلي مباشرة إلى أوروبا عبر أنابيب في المياه العميقة في البحر المتوسط لكن الجدوى اقتصادية العالية أعاقت تنفيذ الفكرة وتم استبدالها بالتصدير لمصر. 
تمثل صفقة الغاز الإسرائيلية مع مصر فرصة جيدة لتحسين احتياجات الطاقة والاستقرار الإقليمي حيث توجد في مصر محطتان لتصدير الغاز الطبيعي المسال، إحداهما في دمياط (شركة سيجاس للغاز الطبيعي المسال) والأخرى في إدكو (شركة المصرية للغاز الطبيعي المسال) وبذلك تتيح هاتان المحطتان لمصر تصدير الغاز الطبيعي إلى جهات دولية، بما في ذلك أوروبا وآسيا وكذلك تأمين احتياجاتها الداخلية ، ولكنها تحمل في طياتها بعض المخاطر والتحديات المتعلقة بالأسعار والاعتماد الجيوسياسي. تحتاج مصر إلى الاستمرار في تطوير مصادرها المحلية والتنوع في مصادر الطاقة لضمان أمنها الطاقي. 
الخلاصة: 
صفقة الغاز الإسرائيلية مع مصر خطوة ناجحة من الجانب المصرى وتتوافق مع سياستها الاقتصادية والمراوغات السياسية مع النأكيد على وجود أكبر احتياط غازى فى شرق البحر المتوسط ويبلغ 30 تريليون متر مكعب غاز فى حقل ظهر وبذلك يفوق مثيله لفياثان الإسرائيلى بكثير  ولكن كانت المشكلة الأساسية في حقل غاز ظهر المصري هي توقف الاستثمار والعمليات بسبب عدم سداد المستحقات لشركة إيني مشغل الحقل، مما أدى إلى تأخير الإنتاج. وفي حين ساهمت عوامل فنية مثل انخفاض ضغط الخزان الطبيعي وتسرب المياه أيضًا في انخفاض الإنتاج، إلا أن تأخير السداد كان له تأثير أكبر. ومع ذلك، بحلول أواخر عام 2024، التزمت الحكومة بسداد المدفوعات، واستئناف الحفر، واستئناف الإنتاج الكامل، مع توقع التعافي بحلول منتصف عام  2025  بالاضافة الى جهود وزير البترول الحالى الكفء فى مباحثاته الناجحة مع اليونان وكذلك اجراء التعديلات المتطورة فى الاتفاقيات والاسناد المباشر لبعض مناطق الحقول القديمة لجذب الشركات العالمية. هذه المرحلة تتطلب الوعى والثقة بالمسئولين فى كل مجال وعدم الانسياق لشعارات زائفة غرضها الهدم والتشكيك.
د. نبيه أحمد نبيه
محاضر بترول فى علوم القاهرة 
مساعد رئيس جنوب القابضة للاتفاقيات والاستكشاف سابقا