سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة هجليج النفطية فى السودان .. تفسيرها وتأثيرها؟ تحليل د. نبيه أحمد نبيه
تدور التساؤلات حول وقوع الحقل النفطي هجلنج في يد قوات الدعم السريع و آثاره السياسية والاقتصادية وهل هو احدى حلقات المخطط الخارجى المسمى بالفوضى الخلاقة الذى من وجهه نظرى يهدف الى التحكم فى ثروات المنطقة البترولية والتعدينية وتهديد الدول المجاورة خاصة مصر. لعلى من خلال السطور التالية أتمكن من تفسير بعض الأستنتاجات المفيدة بغرض التوعية من خلال عدة أسئلة وأجوبة.
السؤال: ما هى قوات الدعم السريع ومن يمولها؟
قوات الدعم السريع ليست حركة عقائدية بل إنها تُجند أفرادها بتقديم حوافز اقتصادية مستغلة انتشار البطالة بين الشباب، ويدأت بالسيطرة على معظم ثروة الذهب حيث ينتشر معدن الذهب في أغلب مدن شمال السودان الصحراوي، وتعد منجما تاريخيا له وتحديدا من أقصى الشمال و بالقرب من جبل عوينات والطينة في دارفور. كما أنها حديثا أستولت على منطقة هجليج البترولية التى تحتوي على عدد كبير من حقول النفط وعددها 75 حقلاً، وأهمها حقل "مربع 6"، وهو الأكبر من حيث إنتاج النفط في الوقت الحالي. ويرجع أصل قوات الدعم السريع بأنها كيان أنشأه وبناه النظام الإسلامي بقيادة الجنرال عمر البشير بهدف ردع المعارضين والمتمردين و تعزيز التفوق العربي والمشاعر المعادية للأفارقة ثم تحولت لاحقا قوات الدعم السريع لمعاداة الإسلاميين كرد فعل عندما إنحاز الإسلاميون إلى عبد الفتاح البرهان. أعتقد أن الممول الرئيسى لقوات الدعم السريع هو الإمارات بضغط وتخطيط إستثمارى يهودى داخلى سخرها لخدمة مصالحه فى المنطقة, وقد ثبت أن الأمارات تستعمل الأراضي التشادية والليبية (التابعة لحفتر) لتزويد قوات الدعم بالأسلحة كما تقدم أثيوبيا دعمًا دبلوماسيًا لقوات الدعم السريع نظرًا إلى التوترات مع مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، ما يضعها ضمن جهات فاعلة تعارض المصالح المصرية ومن المعلوم عقد أثيوبيا مؤخرًا مبادرات سلام، مثل المؤتمر الإنساني رفيع المستوى لشعب السودان في فبراير 2025 في أديس أبابا، الذي نظمته الإمارات العربية المتحدة ! وحضره الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيغاد»، رغم إنتقادات الحكومة السودانية. فسر ضباط من الرتب الدنيا والمتوسطة في القوات المسلحة السودانية في يناير 2022 زيارة مسئولين إسرائيليين، منهم أعضاء من الموساد، إلى الخرطوم أنها دعم إسرائيلي لقوات الدعم السريع. كما يدل على ذلك أيضا تورط الموساد في السودان فى ثمانينيات القرن الماضي عمليتي موسى وجوشوا.
السؤال: كيف أحتلت قوات الدعم السريع هجلنج البترولية وما تأثير ذلك على الحكومة السودانية؟
العمليةتعكس حجم الانهيار العسكري في صفوف الجيش حيث أعلن جيش جنوب السودان أن جنوداً سودانيين فرّوا من مواقعهم في هجليج نحو الأراضي الجنوبية، حيث قاموا بتسليم أسلحتهم وعتادهم العسكري لقيادة جيش جوبا، ويشكل هذا الفرار الجماعي نقطة ضعف خطيرة في أداء الجيش السوداني، ويكشف عن إهتزاز مواضع السيطرة في كردفان، التي تُعد تاريخياً منطقة عازلة بين المركز في الخرطوم والجنوب. ومن المتوقع أن ينعكس ذلك على قدرة الجيش السودانى في تمويل عملياته، وعلى مسار الحرب بأكمله لأن منطقة هجليج تنتج في الظروف الطبيعية نحو 600 ألف برميل نفط يوميا، فتشكل مصدرا رئيسيا لإيرادات السودان، كما تكمن أهمية الإقليم جغرافيا في أنه يشكل معبرا حدوديا مهما يربط السودان بعدد من دول الجوار، من بينها تشاد وليبيا وجنوب السودان.
السؤال: هل احتلال هجلنج البترولية ضربة للمصالح الصينية؟
نعم أعتقد ذلك لأنه يمتد من هجليج أنبوب للنفط بطاقة 450 ألف برميل يوميا لمسافة ألف ميل من حوض المجلد إلى ميناء بشائر في بورتسودان حيث يتم تصديره إلى دول مثل الصين وقد تم تمديد الخط إلى جنوب السودان لينقل أيضاً نفط الوحدة والحقول الصغيرة المجاورة لهما ومن المعروف أن الحكومة السودانية في عهد الرئيس المعزول عمر البشير وقعت اتفاقية مع الشركة الصينية قبل ثلاثة عقود، تنص على أن تتولى هذه الشركة عمليات الإستكشاف والإنتاج، وبناء أنابيب النقل مقابل تقاسم عائدات النفط حيث كانت حقول النفط في هجليج، هي الأكثر إنتاجاً للنفط في عموم السودان في حقبة ما قبل إعلان استقلال دولة جنوب السودان عام 2011، وذلك بطاقة كانت تصل آنذاك إلى نصف مليون برميل يومياً، في الفترة التالية لذلك باتت الدولة الجديدة تتلقى 75 في المئة من الإنتاج النفطي الذي يخرج من هذه المنطقة. وعلى ضوء تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، طلبت شركة النفط الوطنية الصينية التي تدير حقول النفط في هجليج، من الحكومة السودانية عقد إجتماع طارئ لإنهاء شراكتها النفطية مع السودان. وقالت في خطاب معنْون إلى وزارة النفط السودانيةتم تسريبه إلى وسائل الإعلام، أن السبب في ذلك هو حالة "القوة القاهرة" الناجمة عن تدهور الأوضاع الأمنية وفصّلت في خطابها الأسباب لذلك، وأشارت إلى تدهور الوضع الأمني منذ إندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، وإنهيار سلاسل الإمداد، والخسائر المالية الناتجة عن قلة الإيرادات وزيادة المصروفات. وطلبت أن يُعقد اجتماع طارئ في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان منتصف ديسمبر الحالي، حتى تتمكن الأطراف المعنية، من إنهاء الشراكة القائمة بينها في هذا الصدد، قبل نهاية العام الجاري.
السؤال: هل المناطق المحتلة بواسطة قوات الدعم السريع إستمرار للمخطط الخارجى القديم لتفتيت وادى النيل لمصالح خارجية إقتصادية بحتة؟
نعم أعتقد ذلك وتدل عليها الخريطة المرفقة وتهدف إلى تقسيم شمال السودان إلى شرق وغرب ويتمكن فيها الدعم السريع بمواقعه الحاليةمن تلقى إمدادات خارجية من تشاد وجنوب السودان وأثيوبيا عبر جنوب السودان خاصة بعد أن ضيقت القوات المسلحة المصرية الخناق على الأمدادات القادمة من شرق ليبيا، كما لو أسترجعنا أحداث سابقة لتأكدنا من استمرار للمخطط الخارجى القديم لتفتيت وادى النيل فقد سعت بريطانيا خلال فترة الحكم الثنائي إلى فصل السودان عن مصر بشكل تدريجي، فاستثمرت في التعليم والبنية التحتية لتعزيز الهوية السودانية المستقلة، ووضعت قيودًا على الحركة بين البلدين، وحاولت إضعاف الروابط السياسية والثقافية بينهما. ونتيجة لذلك في ديسمبر 1955، صوت البرلمان السوداني بالإجماع لصالح إعلان الإستقلال، وهو ما دعمته بريطانيا، مستغلة التوترات بين مصر والسودان لتحقيق أهدافها الاستعمارية. وفي 1 يناير 1956، أُعلن السودان دولة مستقلة، مما أنهى رسميًا الوحدة بين البلدين ثم تلاه تقسيم السودان إلى جنوب وشمال في عام 2011، بعد استفتاء على التقسيم في يناير 2011 لأن الجنوبيين يرغبون في الإنفصال عن الشمال بسبب الحروب الأهلية بين الحكومة الشمالية العربية والجبهة الثورية. للأسف أثّر الإنفصال على مشاريع التنمية المشتركة بين مصر والسودان، خاصة تلك المتعلقة بمياه النيل والزراعة والتعاون الإيجابى بشأن سد النهضة فى أثيوبيا.
الخلاصة: سيطرة قوات الدعم السريع على منابع البترول وفر لقوات الدعم السريع مورد هام لتمويل عملياتها ونفقاتها بالإضافة لتهريب الذهب إلى دبى، والبترول يمثل تحول إضافى في إستراتيجية التمويل اللازمة لقوات الدعم السريع التى يتراوح عددها بين 100-70 ألف فرد وكذلك عتادها المقدر بحوالى 10.000 سيارة رباعية الدفع مزودة برشاشات ومضادات طيران وعدد غير معلوم من المدافع، الوضع الحالى يعكس نتائج مخطط الفوضى الخلاقة من زرع الصراعات الداخلية
فى دول المنطقة مما يؤدى الى تدمير منشاتها والتحكم فى ثرواتها البترولية والمعدنية ويؤكد ذلك الدعم الخارجى لفرق الصراع المخلقة وهو تكرار للمخطط ايضا فى ليبيا وتقسيمها لشرق وغرب
كما حقق ضرب للمصالح الصينية فى المنطقة، وأكرر ما ذكرته سابقا فى مقالة عن الفوضى الخلاقة
أن المرحلة التالية ستشهد جنى المكاسب للشركات الأمريكية والأوروبية بصفة رئيسية من إعادة تعمير المناطق المهدمة بفعل الصراعات المفتعلة ثم بناء المصانع وغيره وتسليح الجيوش وهذا يستلزم خضوع كل دول المنطقة إقتصادياً وسياسياً لفترة طويلة لتسديد اقساط النفقات، كما سيمكن إستمرار التحكم الأمريكى فى سعر برميل النفط خام برنت ليتراوح بين 60 – 70 دولار أمريكى وهو نطاق سعرى يكفل إستمرار إنتاج الزيت الصخرى الأمريكى بمكاسب ولا يحمل المواطن الأمريكى والصناعات بأى أعباء مع قفزة إستثمارية فى جميع المجالات نتيجة السيولة المالية، وأعتقد أن التخطيط الأمريكى ناجح لتحقيق هذا الهدف وأنه لا يفرق بين فرض نفوذه على إحتياطات بترولية متوسطة كحالة السودان وليبيا أو كبيرة كفنزويلا التى تملك احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ نحو 300 مليار برميل وتمثل نحو 18 بالمئة من إجمالي احتياطيات النفط العالمية في العالم، متقدمة على دول مثل المملكة العربية السعودية وكندا وإيران والعراق. وقد كتب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو رسالة إلى منظمة "أوبك" متهمًا الولايات المتحدة فيها بالسعي إلى الإستيلاء على إحتياطيات فنزويلا النفطية بالقوة. كل مجريات الأحداث فى الدول السابقة تؤكد منطقية هذا التحليل وضرورة إستيعاب أبعاده للحفاظ على مصالحنا ونبذ خلافآتنا وتجنب الفتن يا عرب مع ضرورة تحجيم التوغل الإسرائيلى الهدام والتعامل بحكمة مع الإستثمارات الخارجية اليهوديةالأصل.
د. نبيه أحمد نبيه
محاضر بترول فى علوم القاهرة
مساعد رئيس جنوب القابضة للإتفاقيات والإستكشاف سابقا