الشراكة الأوروبية المصرية نحو مستقبل طاقة مستدام
تمثل الشراكة الأوروبية المصرية التي تم توقيعها مؤخرًا مرحلة جديدة في مسار التعاون بين القاهرة وبروكسل، وتؤكد مكانة مصر الإقليمية وقدرتها على بناء علاقات دولية متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وقد جاء توقيع هذه الشراكة عقب الكلمة الهامة التي ألقاها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي لاقت ترحيبًا واسعًا من قادة الاتحاد الأوروبي، وأكدت التزام مصر بالتحول نحو اقتصاد إنتاجي مستدام يقوم على الطاقة النظيفة والتنمية الشاملة.
إطار الشراكة وأبعادها الاقتصادية
تبلغ قيمة الشراكة الشاملة نحو 7.4 مليار يورو للفترة 2024–2027، وتشمل دعمًا ماليًا واستثماريًا يغطي مجالات الطاقة والتحول الأخضر، والتعليم، والمياه، والبنية التحتية، والتنمية الاقتصادية.
ويأتي ذلك في سياق رؤية مشتركة تهدف إلى:
تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي في مصر.
دعم التحول نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية.
توسيع دور القطاع الخاص والشركات الناشئة في الاقتصاد الأخضر.
وتنمية القدرات البشرية عبر برامج الاتحاد الأوروبي مثل Horizon Europe وErasmus+
إنّ هذه الاتفاقية ليست مجرد دعم مالي، بل خارطة طريق لبناء اقتصاد حديث متكامل مع الأسواق الأوروبية، بما يتيح لمصر تعزيز صادراتها الخضراء ورفع قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.
محور الطاقة كركيزة للتعاون
يُعد قطاع الطاقة محورًا أساسيًا في هذه الشراكة، حيث اتفق الطرفان على إطلاق مبادرات مشتركة لتعزيز إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، وتطوير البنية التحتية للشبكات الكهربائية والربط الإقليمي.
كما تسعى الشراكة إلى تشجيع الاستثمارات الأوروبية في مشروعات الطاقة النظيفة في مصر، من خلال قروض ميسّرة وضمانات استثمار، مع دعم فني وتشريعي لتسهيل مشاركة القطاع الخاص.
تمكين الشركات الناشئة والقطاع الخاص
من المتوقّع أن يكون للشركات الناشئة المصرية الفرصة في المشاركة الفعلية ضمن منظومة تنفيذ مشروعات الطاقة المستدامة، سواء في إنشاء محطات الطاقة الشمسية والرياح بقدرات صغيرة ومتوسطة، أو في خدمات التخزين، وكفاءة الطاقة، والتحكم الذكي.
وسيشجع ذلك على نقل التكنولوجيا، وفتح مجالات للتصنيع المحلي، وبناء كوادر وطنية مؤهلة، ما يعزّز فرص العمل والنمو المستدام.
دعوة لتعزيز الشراكات الأوروبية – المصرية
وانطلاقًا من هذه الرؤية، أوجّه دعوة صادقة إلى تفعيل فرص الشراكات والمشاركات بين الشركات الأوروبية ونظيراتها المصرية، تحت مظلة هذه الشراكة الاستراتيجية.
إنّ إقامة تحالفات صناعية وتجارية مشتركة سيسهم في نقل المعرفة والتقنيات الحديثة، ويُسّرع من وتيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر، كما يمكن أن يشكل نواة قوية لبناء سلاسل قيمة إقليمية تدعم التصنيع المحلي والمشروعات التصديرية نحو إفريقيا والشرق الأوسط.
دور القيادة السياسية في التوازن الاستراتيجي
لقد استطاعت القيادة السياسية المصرية أن تُرسّخ سياسة خارجية متوازنة تجمع بين الانفتاح على الاتحاد الأوروبي كشريك استراتيجي في التنمية، وبين الحفاظ على العمق العربي والإفريقي كامتداد طبيعي لمصر ومجالها الحيوي.
فعلى جانبٍ، تعمل مصر على تعزيز التكامل الاقتصادي العربي من خلال مشروعات الربط الكهربائي العربي، وإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء، التي تم توقيع اتفاقياتها مؤخرًا.
وعلى الجانب الآخر، تُعمّق علاقاتها بالاتحاد الأوروبي كشريك رئيسي في الطاقة والتحول الأخضر، وهو ما يجعل من مصر جسرًا استراتيجيًا بين العالم العربي وأوروبا في مجالات الطاقة والتجارة والتنمية المستدامة.
هذا التوازن الدبلوماسي الدقيق يعكس رؤية قيادية حكيمة تُوازن بين متطلبات الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، وتُقدّم مصر كنموذج للتعاون الإقليمي والدولي من أجل مستقبلٍ مستدام.
التوصيات
إنشاء منصة وطنية – أوروبية لتبادل الخبرات بين الشركات في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء.
تفعيل برامج التدريب ونقل المعرفة .
تشجيع المؤسسات التمويلية الأوروبية على دعم مشروعات رواد الأعمال في مجالات الطاقة والابتكار.
إدماج مبادئ الاستدامة (ESG) في استراتيجيات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
دعم مشروعات الربط الإقليمي بين مصر والدول العربية والأوروبية لتصبح القاهرة مركزًا محورياً لتبادل الطاقة في المنطقة.
خاتمة
إن الشراكة الأوروبية المصرية تمثل خطوة نوعية في مسار التحول الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتجسّد بوضوح رؤية القيادة المصرية في بناء علاقات متوازنة ومنفتحة على الجميع.
فمصر اليوم تمضي بثقة نحو مستقبلٍ يعتمد على الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، مستندة إلى شراكات دولية عادلة، وإلى سياسة رشيدة تُحافظ على مصالح الوطن وتُعزّز مكانته الإقليمية والدولية.
د.م. محمد سليم استشاري الطاقة والاستدامة، عضو المجلس العربى للطاقة المستدامة.