رئيس مجلس الإدارة
عبدالحفيظ عمار
رئيس التحرير
محمد صلاح

محمد صلاح يكتب: شركات العمالة في البترول.. خلل هيكلي وحل وطني مهمل

عالم الطاقة

أضحى الاعتماد على شركات إلحاق العمالة داخل قطاع البترول ظاهرة متنامية، جرى تسويقها باعتبارها حلًا سريعًا لسد العجز في العمالة الفنية، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن هذا المسار يحمل في طياته إشكاليات عميقة تمس كفاءة التشغيل، وعدالة التعاقد، والانضباط المالي داخل أحد أكثر القطاعات الاستراتيجية حساسية وأهمية.

ورغم امتلاك القطاع أدوات بديلة أكثر أمانًا واستدامة، فإن استمرار هذا النموذج دون مراجعة جادة يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى الإبقاء عليه، وأسباب تجاهل الحلول الوطنية المتاحة.

أولًا: اختلالات هيكلية في منظومة الإلحاق

تعاني شركات إلحاق العمالة من أوجه قصور بنيوية، أبرزها غياب المعايير الموحدة لاختيار وتأهيل العمالة، حيث يتم في كثير من الحالات توريد أفراد يفتقرون إلى التدريب الكافي الذي يتناسب مع طبيعة العمل البترولي، المعروف بارتفاع مخاطره وتعقيداته الفنية.

كما يفتقد العاملون عبر هذه الشركات إلى الحد الأدنى من الاستقرار الوظيفي، إذ يعملون بعقود مؤقتة وأجور تقل كثيرًا عن نظرائهم داخل الشركات، إلى جانب ضعف مظلة التأمينات والرعاية الاجتماعية، وهو ما ينعكس مباشرة على مستوى الانتماء الوظيفي والانضباط داخل مواقع العمل.

ثانيًا: تكلفة مرتفعة بلا مردود حقيقي

اقتصاديًا، لا يحقق نموذج إلحاق العمالة الوفورات التي يتم الترويج لها، بل يؤدي فعليًا إلى تحميل الشركات البترولية أعباء مالية إضافية، نتيجة وجود وسيط تجاري يحصل على مقابل مادي دون تقديم قيمة مضافة حقيقية تتناسب مع ما يتقاضاه.

وفي المقابل، لا يصل الجزء الأكبر من هذه التكلفة إلى العامل نفسه، لتتحول شركات الإلحاق إلى حلقة استنزاف مالي تقع بين الشركة والعامل، دون أثر إيجابي ملموس على كفاءة الأداء أو استقرار بيئة العمل.

ثالثًا: ارتباك إداري وتداخل في المسؤوليات

يؤدي الاعتماد على طرف ثالث في توريد العمالة إلى ضبابية في تحديد المسؤوليات عند وقوع أخطاء فنية أو حوادث عمل، ويضعف منظومة المحاسبة والانضباط، لا سيما في مواقع تتطلب أعلى درجات الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية.

كما يفتح هذا النمط من التعاقد الباب أمام تساؤلات مشروعة بشأن آليات الإسناد والرقابة، في ظل غياب ضوابط موحدة تحكم هذا الملف على مستوى القطاع ككل.

رابعًا: «بترومنت»… البديل الوطني الغائب

في المقابل، يمتلك قطاع البترول شركة وطنية ذات خبرة ممتدة مثل «بترومنت»، قادرة على الاضطلاع بمهمة توريد العمالة الفنية المؤهلة وفق أسس مهنية واضحة وتحت رقابة مباشرة من مؤسسات القطاع.

وتضمن الاستعانة بـ«بترومنت»:-

• اختيار عمالة مدربة ومؤهلة فنيًا
• إنهاء دور الوسيط التجاري غير المنتج
• ضبط التكلفة وتحقيق كفاءة تشغيلية أعلى
• وضوح المسؤوليات الإدارية والفنية
• حماية حقوق العامل وتعزيز الانضباط الوظيفي

وهو ما يجعلها خيارًا أكثر أمانًا واستدامة مقارنة بنموذج شركات إلحاق العمالة الخاصة.

خامسًا: ضرورة إطار تنظيمي حاسم

يتطلب تفعيل هذا المسار الوطني وضع إطار تنظيمي واضح يحكم عملية توريد العمالة داخل قطاع البترول، يشمل تحديد التخصصات المطلوبة، ومعايير الاختيار والتدريب، ومدد التعاقد، والحقوق والالتزامات المتبادلة.

وهي عناصر تمتلك «بترومنت»، بحكم خبرتها وهيكلها المؤسسي، القدرة الكاملة على إدارتها بكفاءة وانضباط.

لم يعد ملف شركات إلحاق العمالة في قطاع البترول شأنًا إداريًا هامشيًا، بل قضية تمس جوهر كفاءة التشغيل، وعدالة التعاقد، وحسن إدارة الموارد العامة.

أما الاعتماد على «بترومنت» وفق ضوابط واضحة، فيمثل حلًا وطنيًا متوازنًا يعالج الخلل دون مغامرة، ويعيد الانضباط لمنظومة لا تحتمل مزيدًا من الارتباك.

تم نسخ الرابط
ads