رئيس مجلس الإدارة
عبدالحفيظ عمار
رئيس التحرير
محمد صلاح

محمد صلاح يكتب: "انفجارات الغاز".. من المسؤول الحقيقي؟

عالم الطاقة

مع كل حادث انفجار غاز أو اسطوانة بوتاجاز ، يتكرر المشهد نفسه: غضب شعبي مشروع، واتهامات مباشرة لشركات الغاز، ثم بيانات مقتضبة، قبل أن تُغلق القصة دون إجابة حاسمة عن السؤال الأهم: من المسؤول الحقيقي؟

ومع تكرار الحوادث في عدد من المحافظات، تتصاعد حالة الجدل المجتمعي، وتتصدر شركات الغاز الطبيعي مشهد الاتهام، باعتبارها الطرف الأسهل في تحميل المسؤولية ٠٠٠٠ غير أن القراءة المتأنية تكشف أن القضية أعقد من اختزالها في طرف واحد، وتحتاج إلى قدر من الإنصاف بقدر ما تحتاج إلى المحاسبة.


الحقيقة التي لا يحب كثيرون سماعها، أن شركات الغاز ليست بريئة تمامًا، لكنها في الوقت نفسه ليست المتهم الوحيد. فهناك أخطاء تنفيذ لا يمكن إنكارها، تبدأ أحيانًا من سرعة إدخال الخدمة على حساب الجودة، أو ضعف الإشراف على مقاولي الباطن، وصولًا إلى غياب المتابعة الجادة بعد التشغيل، وكأن دور الشركة ينتهي مع تركيب العداد.

في المقابل، لا يمكن تجاهل دور بعض المواطنين الذين يتعاملون مع الغاز باعتباره خدمة “مضمونة” لا تحتاج إلى قواعد أمان. عبث بالوصلات، تحميل الشبكة بأجهزة غير مطابقة، استدعاء فنيين غير معتمدين، تجاهل رائحة الغاز، أو تأجيل الإبلاغ حتى تقع الكارثة. كل ذلك يجعل جزءًا من الحوادث نتيجة مباشرة لاستهانة واضحة بخطر معروف.

ومما لا شك فيه فإن شركات الغاز تتحمل مسؤولية أساسية تتعلق بسلامة الشبكات، وجودة التوصيلات، والتزامها بالمعايير الفنية أثناء التنفيذ، فضلًا عن دورها في التوعية الدورية للمواطنين بمخاطر الاستخدام الخاطئ.٠٠٠وأي تقصير في هذه الجوانب، سواء بسبب ضعف الرقابة أو استعجال التنفيذ أو الاعتماد على عمالة غير مدربة، يضع الشركة في دائرة المساءلة القانونية والأخلاقية دون تردد.

لكن في المقابل، فإن جزءًا غير قليل من الحوادث يرجع إلى ممارسات خاطئة خارج نطاق سيطرة الشركات، مثل العبث بالوصلات الداخلية، أو تحميل الشبكة بأجهزة غير مطابقة للمواصفات، أو إجراء تعديلات داخل الشقق دون الرجوع لفنيين معتمدين، إضافة إلى إهمال الصيانة الدورية وعدم الإبلاغ عن تسريبات واضحة. وهي عوامل تجعل تحميل شركات الغاز كامل المسؤولية نوعًا من الظلم غير المنصف.

كما لا يمكن تجاهل دور بعض المقاولين من الباطن، الذين قد لا يلتزمون بالمعايير المطلوبة، ما يخلق فجوة بين السياسات المعلنة للشركات والتنفيذ الفعلي على الأرض. وهنا تبرز أهمية تشديد الرقابة والمحاسبة، ليس فقط على الشركات الأم، بل على سلسلة التنفيذ بالكامل.

وتبقى الحقيقة أن السلامة مسؤولية مشتركة؛ شركات الغاز مطالبة برفع كفاءة الفحص والمتابعة، وتكثيف حملات التوعية، والاستجابة السريعة لأي بلاغات، بينما يقع على عاتق المواطن الالتزام بقواعد الاستخدام الآمن، وعدم التعامل مع غير المختصين، والإبلاغ الفوري عن أي خلل.

في النهاية، لا تتحقق العدالة بإدانة جماعية ولا بإنكار أخطاء محتملة، بل بتحديد المسؤوليات بدقة، ومحاسبة المقصر أيا كان موقعه، لأن الهدف الحقيقي ليس البحث عن متهم، بل حماية الأرواح ومنع تكرار المأساة

تم نسخ الرابط
ads